حدثنا مسدد حدثنا معتمر قال سمعت إسحاق بن سويد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني مسدد حدثنا معتمر عن خالد الحذاء قال أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شهران لا ينقصان شهرا عيد رمضان وذو الحجة
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُسَدَّد حَدَّثَنَا مُعْتَمِر )
فَسَاق الْإِسْنَاد ثُمَّ قَالَ : " وَحَدَّثَنِي مُسَدَّد قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِر " فَسَاقَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ لِمُسَدَّدٍ وَسَاقٍ الْمَتْن عَلَى لَفْظِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ , وَكَأَنَّ النُّكْتَةَ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَجْمَعْ الْإِسْنَادَيْنِ مَعًا مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَغَايَرَا إِلَّا فِي شَيْخِ مُعْتَمِرٍ أَنْ مُسَدَّدًا حَدَّثَهُ بِهِ مَرَّةً وَمَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ إِسْحَاق , وَحَدَّثَهُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى إِمَّا وَهُوَ وَحْدُهُ وَإِمَّا بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ خَالِد , وَلِمُسَدَّدٍ فِيهِ شَيْخ آخَر أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ عَنْ يَزِيد بْن زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ خَالِد الْحَذَّاء مِنْ طُرُق . وَأَمَّا قَوْل قَاسِم فِي " الدَّلَائِلِ " : سَمِعْت مُوسَى بْن هَارُون يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد عَنْ يَزِيد بْن زُرَيْعٍ مَرْفُوعًا , قَالَ مُوسَى وَأَنَا أَهَابُ رَفْعَهُ , فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّ يَزِيد بْن زُرَيْعٍ كَانَ رُبَّمَا وَقَفَهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِمَهَابَةِ رَفْعِهِ مَعْنَى . وَأَمَّا لَفْظُ إِسْحَاق الْعَدَوِيّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلِيفَة وَأَبِي مُسْلِم الْكَجِّيِّ جَمِيعًا عَنْ مُسَدَّدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظ " لَا يَنْقُصُ رَمَضَان وَلَا يَنْقُصُ ذُو الْحِجَّةِ " وَأَشَارَ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضًا إِلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِإِسْحَاق الْعَدَوِيّ , لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ مُسَدَّدٍ بِلَفْظ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " كَمَا هُوَ لَفْظ التَّرْجَمَة , وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي اِقْتِصَار الْبُخَارِيّ عَلَى سِيَاق الْمَتْن عَلَى لَفْظ خَالِد دُونَ إِسْحَاق لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي سِيَاقِهِ عَلَيْهِ , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ لَا يَكُونُ رَمَضَان وَلَا ذُو الْحِجَّةِ أَبَدًا إِلَّا ثَلَاثِينَ , وَهَذَا قَوْل مَرْدُود مُعَانِد لِلْمَوْجُودِ الْمُشَاهَدِ , وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ قَوْله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ رَمَضَان أَبَدًا ثَلَاثِينَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا . وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ لَهُ مَعْنًى لَائِقًا . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن كَانَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ يَقُولُ : لَا يَنْقُصَانِ فِي الْفَضِيلَةِ إِنْ كَانَا تِسْعَة وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ . اِنْتَهَى . وَقِيلَ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا , إِنَّ جَاءَ أَحَدهمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ جَاءَ الْآخَر ثَلَاثِينَ وَلَا بُدَّ . وَقِيلَ لَا يَنْقُصَانِ فِي ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهِمَا , وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ عَنْ السَّلَفِ وَقَدْ ثَبَتَا مَنْقُولِينَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ , وَسَقَطَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيِّ وَغَيْره عَقِبَ التَّرْجَمَةِ قَبْلَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ . قَالَ إِسْحَاق : وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهُوَ تَمَام . وَقَالَ مُحَمَّد : لَا يَجْتَمِعَانِ كِلَاهُمَا نَاقِص . وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ اِبْن رَاهْوَيْهِ , وَمُحَمَّد هُوَ الْبُخَارِيُّ الْمُصَنِّفُ . وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيَّ نَقْلُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل , وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اِخْتَارَ مَقَالَةَ أَحْمَدَ فَجَزَمَ بِهَا أَوْ تَوَارَدَا عَلَيْهَا . قَالَ التِّرْمِذِيّ قَالَ أَحْمَد : مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اِنْتَهَى . ثُمَّ وَجَدْتُ فِي نُسْخَة الصَّغَانِيّ مَا نَصُّهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ : قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه قَالَ إِسْحَاق تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا تَامّ . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنْ نَقَصَ رَمَضَان تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ , وَإِنَّ نَقَصَ ذُو الْحِجَّةِ تَمَّ رَمَضَان . وَقَالَ إِسْحَاق : مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ تَمَامٌ غَيْر نُقْصَان . قَالَ : وَعَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاق يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَا مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ . وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّكُمْ تَرَوْنَ الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ فَإِذَا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ تَرَوْنَهُ نُقْصَانًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُقْصَان . وَوَافَقَ أَحْمَدَ عَلَى اِخْتِيَارِهِ أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَزَّارُ فَأَوْهَمَ مُغَلْطَاي أَنَّهُ مُرَاد التِّرْمِذِيّ بِقَوْلِهِ " وَقَالَ أَحْمَد " وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ قَاسِم فِي " الدَّلَائِلِ " عَنْ الْبَزَّارِ فَقَالَ : سَمِعْت الْبَزَّار يَقُولُ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ جَمِيعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ . قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَة زَيْد بْن عُقْبَة عَنْ سَمُرَةَ اِبْنِ جُنْدَب مَرْفُوعًا " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَكُونَانِ ثَمَانِيَة وَخَمْسِينَ يَوْمًا " وَادَّعَى مُغَلْطَاي أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِإِسْحَاقَ إِسْحَاقُ بْن سُوَيْد الْعَدَوِّي رَاوِي الْحَدِيثِ , وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِحُجَّة . وَذَكَرَ ابْن حِبَّانَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ إِسْحَاق , وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا فِي الْفَضْلِ سَوَاء لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ " وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيّ أَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي قَالَ فِيهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تِلْكَ الْمَقَالَةَ . وَهَذَا حَكَاهُ اِبْن بَزِيزَةَ وَمِنْ قَبْلِهِ أَبُو الْوَلِيدِ اِبْن رُشْد وَنَقَلَهُ الْمُحِبّ الطَّبَرِيّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن فَوْرك , وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَحْكَامِ , وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَيْهَقِيّ وَقَبِلَهُ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ : مَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ أَنَّ الْأَحْكَامَ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا تِسْعَة وَعِشْرِينَ مُتَكَامِلَةٌ غَيْر نَاقِصَةٍ عَنْ حُكْمِهِمَا إِذَا كَانَا ثَلَاثِينَ . وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ رُبَّمَا حَالَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَانِع , وَهَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن حِبَّانَ أَيْضًا . وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ . وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيق الْأَكْثَر الْأَغْلَب وَإِنْ نَدَرَ وُقُوع ذَلِكَ وَهَذَا أَعْدَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وُجِدَ وُقُوعُهُمَا وَوُقُوع كُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعَة وَعِشْرِينَ قَالَ الطَّحَاوِيّ : الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ أَوْ حَمْلُهُ عَلَى نَقْصِ أَحَدِهِمَا يَدْفَعُهُ الْعَيَان لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَاهُمَا يَنْقُصَانِ مَعًا فِي أَعْوَام . وَقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنَيِّرِ : لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ , وَأَقْرَبهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّقْصَ الْحِسِّيَّ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ يَنْجَبِرُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهْرُ عِيدٍ عَظِيم فَلَا يَنْبَغِي وَصْفُهُمَا بِالنُّقْصَانِ , بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الشُّهُورِ . وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى تَأْيِيدِ قَوْلِ إِسْحَاق . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمَعْرِفَةِ " إِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ بِهِمَا , وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيّ وَقَالَ : إِنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ . وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ عَنْهُمَا مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَام حَاصِل سَوَاء كَانَ رَمَضَان ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ , سَوَاء صَادَفَ الْوُقُوف الْيَوْم التَّاسِع أَوْ غَيْره . وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلُ تَقْصِيرٌ فِي اِبْتِغَاء الْهِلَال , وَفَائِدَة الْحَدِيثِ رَفْع مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ شَكٍّ لِمَنْ صَامَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ . وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ بَعْض الْعُلَمَاءِ إِمْكَان الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ اِجْتِهَادًا , وَلَيْسَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيس مَثَلًا فَوَقَفُوا يَوْم الْجُمْعَةَ , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا شَهِدَا زُورًا . وَقَالَ الطِّيبِيّ : ظَاهِر سِيَاق الْحَدِيثِ بَيَان اِخْتِصَاص الشَّهْرَيْنِ بِمَزِيَّةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الشُّهُورِ , وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ ثَوَاب الطَّاعَة فِي غَيْرِهِمَا يَنْقُصُ , وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِالْعِيدَيْنِ وَجَوَاز اِحْتِمَال وُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهِمَا , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " شَهْرَا عِيدٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ " شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ " وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ رَمَضَان وَذِي الْحِجَّةِ اِنْتَهَى . وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّة لِمَنْ قَالَ إِنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِ الْمَشَقَّةِ دَائِمًا , بَلْ لِلَّهِ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِإِلْحَاق النَّاقِصِ بِالتَّامِّ فِي الثَّوَابِ . وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ لِمَالِكٍ فِي اِكْتِفَائِهِ لِرَمَضَان بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ : لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّهْرَ بِجُمْلَتِهِ عِبَادَة وَاحِدَة فَاكْتَفَى لَهُ بِالنِّيَّةِ , وَهَذَا الْحَدِيث يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الثَّوَابِ بَيْنَ الشَّهْرِ الَّذِي يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ الَّذِي يَكُونُ ثَلَاثِينَ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى جَعْلِ الثَّوَابِ مُتَعَلِّقًا بِالشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا مِنْ حَيْثُ تَفْضِيلُ الْأَيَّامِ . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّار مِنْ رِوَايَةِ زَيْد بْن عُقْبَة عَنْ سَمْرَة بْن جُنْدَب فَإِسْنَاده ضَعِيف , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي " الْأَفْرَادِ " وَالطَّبَرَانِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظ " لَا يَتِمُّ شَهْرَانِ سِتِّينَ يَوْمًا " وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ اِبْن رُشْد : إِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ لَا يَكُونَانِ ثَمَانِيَة وَخَمْسِينَ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَاب وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ حَدِيث الْبَابِ مِنْ طَرِيقٍ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِد الْحَذَّاء بِسَنَدِهِ هَذَا بِلَفْظ " كُلّ شَهْر حَرَام لَا يَنْقُصُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَثَلَاثُونَ لَيْلَة " وَهَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ شَاذّ , وَالْمَحْفُوظ عَنْ خَالِدٍ مَا تَقَدَّمَ , وَهُوَ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِهِ كَشُعْبَة وَحَمَّاد بْن زَيْد وَيَزِيدَ بْن زُرَيْعٍ وَبِشْر بْن الْمُفَضَّل وَغَيْرهمْ . وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيّ أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ , قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَعَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق لَا يُقَاوِمُ خَالِدًا الْحَذَّاء فِي الْحِفْظِ . قُلْت : فَعَلَى هَذَا فَقَدْ دَخَلَ لِهُشَيْم حَدِيثٌ فِي حَدِيث , لِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَنْ خَالِدٍ هُوَ لَفْظ عَبْد الرَّحْمَن . وَقَالَ اِبْن رُشْد : إِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ أَيْضًا فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَاب .
قَوْلُهُ : ( رَمَضَان وَذُو الْحِجَّةِ )
أَطْلَقَ عَلَى رَمَضَان أَنَّهُ شَهْرُ عِيدٍ لِقُرْبِهِ مِنْ الْعِيدِ , أَوْ لِكَوْن هِلَال الْعِيدِ رُبَّمَا رُؤِيَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَان قَالَهُ الْأَثْرَم , وَالْأَوَّل أَوْلَى . وَنَظِيرُهُ قَوْله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " الْمَغْرِب وِتْرُ النَّهَار " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عُمَر , وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَيْلِيَّة جَهْرِيَّة , وَأَطْلَقَ كَوْنهَا وَتَر النَّهَار لِقُرْبِهَا مِنْهُ . وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَقَعُ أَوَّلَ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ .
( تَنْبِيهٌ :
لَيْسَ لِإِسْحَاق بْن سُوَيْد - وَهُوَ اِبْنُ هُبَيْرَة الْبَصْرِيّ الْعَدَوِيّ عَدِيّ مُضَرَ , وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ رَوَى هُنَا عَنْ تَابِعِيٍّ كَبِيرٍ - فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ . وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَقْرُونًا بِخَالِد الْحَذَّاء وَقَدْ رُمِيَ بِالنَّصْبِ , وَذَكَرَهُ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ بِهَذَا السَّبَبِ .