الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الصـلاة عماد الدين، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الكفر ـ أو الشرك ـ ترك الصلاة" أخرجه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر إلا الصلاة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من ترك الصلاة فقد كفر" رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة، والمنذري في الترغيب والترهيب. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من لم يصل فهو كافر" رواه ابن عبد البر في التمهيد (4/226) والمنذري في الترغيب والترهيب (1/439). ولا يخفى أن هذه العقوبة لمن ترك الصلاة بالكلية، أما من يصليها لكنه يتكاسل في أدائها، ويؤخرها عن وقتها، فقد توعده الله بالويل فقال: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون: 5].
والويل هو: واد في جهنم ـ نسأل الله العافية ـ وكيف لا يحافظ المسلم على أداء الصلاة، وقد أمرنا الله بذلك فقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) [البقرة: 238]. فأي مصيبة أعظم من عدم المحافظة على الصلاة!!.
ونقول للسائل: لم لا تصلي؟ ألا تخاف من الله؟ ألا تخشى الموت؟.
أما تعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر" رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود والنسائي.
وماذا يكون جوابك لربك حين يسألك عن الصلاة؟
ألا تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء" رواه البخاري ومسلم و(الغرة): بياض الوجه، و(التحجيل): بياض في اليدين والرجلين.
كيف بالمرء حينما يأتي يوم القيامة، وليس عنده هذه العلامة، وهي من خصائص الأمة المحمدية، بل لقد وصف الله أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) [الفتح: 29].
وقد تكلم العلماء باستفاضة عن عقوبة تارك الصلاة ، كما في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي .
كما أن ترك الصلاة من المعاصي العظيمة، ومن عقوبات المعاصي أنها: تنسي العبد نفسه، كما قال الإمام ابن القيم: فإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها، وقال أيضا: ومن عقوباتها أنها: تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته.. ومن عقوبة المعاصي أيضاً: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله، وعند خلقه، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له، وعلى قدر طاعة العبد تكون له منزلة عنده، فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه، فأسقطه من قلوب عباده. ومن العقوبات التي تلحق تارك الصلاة: سوء الخاتمة، والمعيشة الضنك، لعموم قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه: 124]. وينظر كلامه رحمه الله في كتابه: الداء والدواء.
ولا ريب أن الفقهاء قد اتفقوا على أن من ترك الصلاة جحوداً بها، وإنكاراً لها فهو كافر خارج عن الملة بالإجماع، أما من تركها مع إيمانه بها، واعتقاده بفرضيتها، ولكنه تركها تكاسلاً، أو تشاغلاً عنها، فقد صرحت الأحاديث بكفره، ومن العلماء من أخذ بهذه الأحاديث فكفَّر تارك الصلاة، وأباح دمه، كما هو مذهب الإمام أحمد، وهذا هو المنقول عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى عليه إسحاق بن راهوية إجماع أهل العلم ، وقال محمد بن نصر المروزي: هو قول جمهور أهل الحديث (جامع العلوم والحكم 1/147) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. ومن العلماء من رأى أن تارك الصلاة يقتل حداً لا كفراً، وبذلك قال الإمامان: مالك والشافعي رحمهما الله. ومنهم من رأى أنه يحبس حتى يصلي، وهو الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ والراجح أن تارك الصلاة يستتاب، فإن تاب وإلا قتل على أنه مرتد، لما تقدم من الأحاديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" رواه الترمذي وصححه. قال ابن تيمية: ومتى وقع عمود الفسطاط وقع جميعه، ولم ينتفع به. وقال (ولأن هذا إجماع الصحابة) رضي الله عنهم. انتهى من شرح العمدة.
وختاما ننصح السائل بالرجوع إلى الله والحرص على الصلاة. نسأل الله له التوفيق. والله أعلم
آنشرها ليكن لنا الأجر .